ماذا يحدث عندما تتحول الأغنية إلى صلاة؟
“سافر”.. حين يُصبح الوداع سيمفونية من وجع وحنين
بقلم: د. واصل النور – صحيفة التغيير
28 مايو 2024
في قراءة شاعرية عميقة، يأخذنا الكاتب إلى عوالم أغنية “سافر” للفنان الراحل مصطفى سيد أحمد، وهي من كلمات قاسم أبو زيد، حيث تمتزج الكلمة باللحن، وتتحول الموسيقى إلى كائن حيّ يرافق صوت مصطفى في رحلة غنية بالشجن والدهشة.
تبدأ الأغنية بهدوء موسيقي كأنها تمهيد لموعد غرامي، سرعان ما يقطعه صوت مصطفى الصدّاح بـ”سافر”، الكلمة/الأمر التي تُقال فجأة، وكأنها نتاج حوار طويل لا نسمعه. ذلك الفعل الذي يُلقي بالمستمع في مطارات وداع موغلة في الحزن، لكنه حزن مغلف بجمال صوت الفنان وإيقاع موسيقاه المتمايلة، الحزينة والمبتهجة في آن.
يرى الكاتب أن مصطفى سيد أحمد يخلق مفارقة متكررة في أغنياته، حيث يُدَوْزن الحزن بالفرح، ويصبغ المشاهد المؤلمة بجمالٍ غنائيّ يجعل المستمع يتأمل الأسى وكأنه مشهد احتفالي. ويتجلى ذلك في تحوّل دموع الحاضرين إلى “زغاريد غطت الدنيا”، في لحظة فنية نادرة تمزج الألم بالأمل.
وفي منعطف الأغنية، يهمس صوت مصطفى بجملة “صداك الريح”، وكأنها عودة موجعة من السفر، وصرخة تحوي كل الخيبات. لينتقل المشهد بعد ذلك إلى لحظة تأمل وعِتاب، تتجلى فيها روح الإيمان، حين يُستشهد بالآية الكريمة:
“لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم…”، وكأن مصطفى يقول: لا وقت للندم، ولا حاجة للزهو.
ويصل الكاتب إلى وصف بالغ الدقة حين يشبه ختام الأغنية بهبوط حمامة السلام على اليابسة، حين يهمس مصطفى بكلمة “مداك”، في غنائية تتعدى السمع لتلامس البصيرة.
وفي نهاية القراءة، يُقارن المقطع الأخير من “سافر” بقصيدة الشاعر اللبناني شوقي بزيع “كيف تصنع قطرتان من الندى امرأة؟”، وكأن الرحلة الغنائية التي خضناها مع مصطفى لا تقل شاعرية عن القصيدة، بل تتجاوزها بموسيقى تمتزج فيها المعاناة بالصدق الإنساني.
أغنية “سافر” ليست فقط عملًا غنائيًا، بل هي سيرة وجدانية تجسّد فيها مصطفى سيد أحمد إنسانيته الكاملة، وحوّل الكلمة إلى ملاذٍ للجمال، والموسيقى إلى شراعٍ يُبحر ضد النسيان.