“يا خائن”.. أغنية هزّت النظام العسكري وتحولت إلى مثل شعبي
“يا خائن”.. أغنية هزّت النظام العسكري وتحولت إلى مثل شعبي
الخرطوم – متابعات فنية
من بين الأغاني التي سكنت ذاكرة الوجدان السوداني، برزت أغنية “يا خائن” بصوت الفنان الراحل إبراهيم عوض، لا كأغنية عاطفية عابرة، بل كـ”صرخة وجع” خرجت من قلب الشاعر الطاهر إبراهيم، بعد أن تعرض لأحد أقسى أشكال الخيانة.
تعود القصة إلى أواخر عهد الفريق إبراهيم عبود، حيث اتُّهم الطاهر إبراهيم – الضابط بالجيش آنذاك – بالتخطيط لمحاولة انقلاب عسكري ضمن تنظيم علي حامد. وقد وُشي به من قبل زميله وصديقه المقرب متوكل كمال، وهو ما أدى إلى اعتقاله والحكم عليه بالإعدام، قبل أن يُخفف الحكم لاحقاً إلى السجن المؤبد.
في لحظة انكسار ووجع، كتب الطاهر قصيدة “يا خائن”، ولحنها بنفسه، ثم حملها للفنان الجماهيري إبراهيم عوض، الذي أدّاها كما أرادها الشاعر: خطاب مباشر إلى الخائن، بكلمات مشحونة بالألم والمرارة:
> “حرمت عيوني يا خائن رؤاك
وسعيت لهلاكي بأوسع خطاك
يا خائن .. آه .. يا خائن”
وقد تضمنت القصيدة أبياتًا موجعة، تُدين الغدر وتُجسد صدمة الخيانة من أقرب الناس، لتتحول الأغنية إلى أيقونة للغدر السياسي والعسكري، وتصبح العبارة “يا خائن” لازمة شعبية على لسان السودانيين، حتى في المزاح والونسة اليومية.
ورغم أن النظام العسكري حينها سعى إلى منع بث الأغنية، إلا أن هذا الحظر لم يزدها إلا انتشارًا، وأصبح الفنان إبراهيم عوض مستهدفًا، ما اضطره لمغادرة السودان إلى مصر، هربًا من الضغوط الأمنية.
ويُذكر أن العلاقة بين الشاعر الطاهر إبراهيم والإعلامي متوكل كمال تعود إلى الطفولة، حيث نشأ الاثنان في حيّي البوستة والعرب، وتخرّجا معًا من الكلية الحربية، وارتبطا بحب الفن والغناء. لكن حين دخل الطاهر في التنظيم العسكري المعارض، كشف الأمر لصديقه، الذي بدوره أبلغ الاستخبارات، ليتحوّل الوفاء إلى خيانة لا تُنسى.
وبقيت الأغنية علامة فارقة في الذاكرة السودانية، كما أنتجت مثلاً شائعًا ما زال يُقال حتى اليوم:
“خوة الكاب ما بتتعدى الباب”، في إشارة إلى الخيانة وسط رفاق السلاح.
قصة “يا خائن” ليست فقط قصيدة غنائية، بل صفحة دامية من تاريخ السودان السياسي، اختلطت فيها الأحاسيس الشخصية بالمواقف الوطنية، وبقي صداها يتردد في الضمائر إلى يومنا هذا.